قصر الأمير عمرو .. متحف رائع للخزف الإسلامي على نهر النيل

على ضفاف نهر النيل وفي حي الزمالك القاهري يقف قصر الأمير عمرو إبراهيم شامخا بقبته الكبيرة التي تشبه قباب المساجد وبالشرفات والنوافذ والأعمدة الرخامية العالية وزخارف الواجهات ذات الطراز المعماري المملوكي الإسلامي. ومما يلفت الانتباه أن هذا القصر هو القصر الوحيد في هذا الحي الذي يتميز بطرازه الإسلامي المملوكي بين القصور العديدة ذات الطرز الأوروبية. وقد شيده الأمير عمرو إبراهيم أحد أحفاد الخديوي إسماعيل عام 1923، وهو الآن متحف دائم لروائع الخزف الإسلامي التي يعود بعضها إلى القرن الثاني الهجري من مصر وسورية والعراق وإيران والأندلس وتونس والمغرب. أول متحف للخزف!! وعرف عن الأمير عمرو إبراهيم حبه الشديد للفنون الإسلامية، ولهذا حرص على أن يحمل قصره الطراز المعماري المملوكي، كما عرف عنه حبه للسفر واهتمامه بالصيد واقتناء الخيول، وقد تحول القصر عام 1971 إلى متحف لمقتنيات الفنان محمد محمود إلى أن عادت المقتنيات إلى قصره عام 1995، وتم تخصيص القصر منذ ذلك الوقت ليكون أول متحف متخصص في الخزف الإسلامي في الشرق الأوسط. مكونات القصر يتكون قصر عمرو إبراهيم من طابقين وطابق تحت الأرض يحيط به سور حديدي ينتهي بحليات على شكل أهلة مثل تلك التي تعلو قمم المآذن، وأمام أحد أبواب القصر الحديدية يقع مدخل القصر الرئيسي بالواجهة الغربية، هو مدخل تذكاري حيث إنه يبرز عن القصر ويصعد إليه بدرجات رخامية تؤدي إلى بائكة ثلاثية ذات عقود مدببة محمولة على أربعة أعمدة رخامية يعلوها نص كتابي، أما باقي واجهات القصر الأخرى فتحتوي على نوافذ مزدوجة ذات عقود ثلاثية تسمى في العمارة الإسلامية المملوكية قندليات، ويعلوها دائرة تسمى قمرية، وفوق هذه النوافذ نص كتابي وصفوف من المقرنصات، بينما تتوج قمة الواجهات شرفات من أوراق نباتيه خماسية. طابع إسلامي ومن المعروف أن المنازل والقصور الإسلامية قبل القرن الـ19 الميلادي كانت تتبع نوعا معينا من التخطيط، وهو فناء أوسط مكشوف تحيط به ملحقات سكنية وذلك كي يستمد المنزل الهواء والضوء من الفناء، أما في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فقد أصبحت تخطيطات القصور تتكون من بهو رئيسي كبير تفتح عليه ملحقات وحجرات القصر، وهذا ما نجده في قصر عمرو إبراهيم، ولكن الأمير أقام قبة كبيرة في مركز القصر فوق البهو، لتعطي بذلك للقصر طابعه الإسلامي، والقبة قائمة على مجموعة من المقرنصات في شكل مثلث مقلوب تفصل بينهما نوافذ جصية ذات زجاج معشق ملون، كما توجد برقبة القبة مجموعة أخرى من النوافذ ذات الزجاج الملون والتي إذا ما سقط عليها ضوء الشمس أعطت منظرا بديعا. بهو القصر عند ولوج القصر فإن أكثر ما يلفت الانتباه هو ذلك البهو الذي يرتفع بمستوى طابقي القصر وتتوسطه نافورة رخامية من الرخام الأبيض والأسود والبيج، وعلى جانبيه ثمانية أعمدة رخامية بينما في صدر البهو توجد مدفأة مغطاة ببلاطات القاشاني التركي طراز كوتاهيه مكتوب عليها اسم الصانع محمد فؤاد لطيف، وتتميز هذه المدفأة بأنها على شكل القلم الرصاص (المآذن العثمانية) وفي خلفية المدفأة بلاطات مستطيلة ومربعة باللون الأزرق السماوي والكحلي وبها زخارف نباتيه وزهريات تخرج منها أوراق نباتية وأخرى مكتوب عليها الله ومحمد، ويعلو المدفأة عبارة لا غالب إلا الله، كما توجد في القصر وفي حجرات الطابق الأول مدفأتان من نفس طراز هذه المدفأة. رخام أسود!! ويفتح البهو على مجموعة من حجرات الطابق الأول، وإحدى هذه الحجرات تفتح على الأخرى بواسطة عقد كبير على هيئة حدوة الفرس يعلوه شريط من الآيات القرآنية، وحجرة أخرى كانت مخصصة للطعام حيث تبهرك منضدة كبيرة مصنوعة من أجود أنواع الرخام بلون البيج والروز مثبتة في الأرضية بواسطة 11 ركيزة من الرخام، وأمام المنضدة توجد منصتان من الرخام بركائز على شكل أعمدة بعقود من الرخام الأسود كانتا تستخدمان لوضع الأكواب والأطباق، وفي إحدى أركان هذه الحجرة أيضا توجد 3 أعمدة من المرمر بأربعة عقود محلاة بزخارف نباتيه، وبين العقود مجموعة من المشكاوات الزجاجية بينما تتدلى ثريا كبيرة من المعدن المطلي بالذهب والزجاج الملون وكأنك داخل أحد المساجد المملوكية. وعن طريق سلم صغير داخلي يتم الصعود إلى الطابق الثاني الذي يتكون من عدة حجرات يتقدمها ممر (سباط) يطل على بهو الطابق الأول، ومن هذه الحجرات، حجرة نوم الأمير التي يعلو بابها قرص الشمس الذهبي بواسطة دائرة حمراء بها لفظ الجلالة وهو رمز العائلة المالكة، كما نرى في الحجرة صندوقين أحدهما صغير تحفظ به المجوهرات والآخر كبير لحفظ الملابس، والاثنان مصنوعان من الخشب المحلى بالصدف والعاج، كما توجد كنبة صالون مذهبة كبيرة صنعت من قماش مطرز بالذهب، كما تحلي جدران الطابق الثاني مجموعة من اللوحات الزيتية من مقتنيات الأمير، وهي تمثل البيئة العربية والإسلامية بريشة كبار الفنانين المستشرقين. حمام الأمير وداخل حجرة نوم الأمير باب صغير يصل إلى حمام الأمير وهو عبارة عن مغطس رخامي كبير، وحوض مياه على هيئة محارة تعلوه ساعة في شكل زخرفي من الرخام يجمع بينها طائران كبيران متقابلان مصنوعان من الرخام أيضا، ويغطي جدران الحمام بعض بلاطات القاشاني التركي وعندما نرى أبواب القصر، نجدها جميعا قد صنعت من الخشب الارو المحلى بزخارف هندسية، ولكي تأخذ الطابع الإسلامي خاصة أبواب المساجد فقد حليت من الخارج بالأشرطة الكتابية القرآنية وأشكال العقود، إما باب القصر الرئيسي فعليه زخارف نباتية من النحاس ومطرقتان من النحاس أيضا وكتابة قرآنية نصها ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، بينما يعلو الباب عتب عليه آية إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. زخارف نباتية تنوعت أرضيات القصر بين الرخام والخشب الباركيه، أما جدران القصر وأسقفه فآية في الجمال، حيث غطى الثلث الأول من حوائط حجرات الطابق الأول ببلاطات من القاشاني التركي ذي اللون الأزرق والكحلي والأخضر والزخارف النباتية، أما ثلثا الحجرات فغطي بزخارف نباتية جصية أندلسية وتنتهي الحوائط بأشرطة من الكتابات القرآنية والأدعية، وتعلو هذه الأشرطة مقرنصات من ثلاثة مستويات تصل بين الحوائط والسقف، والسقف عبارة عن زخارف جصية أندلسية الطراز وهي بأشكال هندسية ونباتية تحصد بداخلها آيات قرآنية&# 63442; متحف الخزف ولأن القصر مبني على الطراز الإسلامي فقد تم اختياره ليكون أول متحف نوعي للخزف الإسلامي في الشرق الأوسط، وهكذا استقرت به مجموعة من روائع الخزف الإسلامي في بيئة معمارية إسلامية ،ويوجد في المتحف 317 قطعة خزفية تمثل إبداع الخزف الإسلامي في كل من مصر وسورية وتركيا وإيران والعراق والأندلس وتونس والمغرب، وتتنوع في طريقة صنعها وتعدد الزخرفة والألوان المستخدمة بالإضافة إلى تعبيرها عن تطور فن الخزف الإسلامي في عصوره المختلفة، حيث تعود بعض هذه المقتنيات إلى القرن الثاني الهجري، ويعود أحدثها إلى القرن الثاني عشر الهجري. تحف متنوعة تتنوع أشكال هذه المقتنيات بين القدور والأطباق والصحون والمزهريات والمشكاوات والفناجين والأكواب والسلطانيات والبلاطات وغيرها من المنتجات النفعية، وهناك ست قطع من مقتنيات قصر الأمير عمرو إبراهيم نفسه، و116 قطعة من الطراز المصري في عصوره المختلفة الأموي والفاطمي والأيوبي والمملوكي، و35 قطعة من الطراز السوري و49 قطعة من الطراز الإيراني وقطعتان من الأندلس وقطعتان من تونس وقطعتان من العراق وواحدة من المغرب. ويشغل العرض الدائم لمقتنيات متحف الخزف الإسلامي الصالات الموشاة بالزخارف الإسلامية جميع طوابق القصر حيث يغطي العرض مساحة قدرها 420 مترا مربعا، وقد روعي في توزيع العرض في المتحف عاملا الطراز والأساليب ومواقع الإنتاج حيث تم تخصيص صالة في الطابق الأرضي بالقصر لعرض الطراز الفاطمي، وضمت صالة ثانية الطرز الخاصة بالعصور المملوكي والأموي والأيوبي، كما خصصت صالة بنفس الطابق لعرض الطراز التركي، وفي الطابق الأول ضمت مجموعة الفاترينات خزفيات الطراز الإيراني، وحيزا آخر لعرض طراز الرقة السوري.