ولائم الأعراس العربية....من جريش نجد إلى تقلية تطوان!!
سعيد بجو أفراح الزفاف العربية الأصيلة، مشدوه بطقوسها المبهجة، لم لا وهي شرقية الروح والطابع والمعاني. من السهل جدا عليك أن تشارك المدعوين في تناول أي من ولائمها، وتتذوق بعضا من أطباقها وسط حفاوة أهل العرس وغبطتهم، حيث الدعوة عادة ما تكون عامة للجميع. لكن من الصعب للغاية في الوقت ذاته أن تفك رموز أي من هذه الأفراح، أو أن تتعرف على أسرارها وكواليسها ما لم تكن أحد أبنائها. فهذه الأفراح وولائمها رغم ما قد يبدو من عفويتها وبساطتها، إلا أنها تعد خلاصة التاريخ والأعراف والتقاليد.. ولنبدأ من نجد - وسط الجزيرة العربية- حيث يحكي لنا الزميل عبدالعزيز الشايع عن تلك الأيام الخوالي التي كانت الحالة فيها شحيحة، ولكنها كانت في الوقت نفسه مفعمة بروح المحبة والتضامن وكرم الضيافة. ولندع الشايع يعود معنا بذاكرته إلى أفراح ذلك الزمان، حيث يقول: لم تكن الولائم في نجد مخصصة للمدعوين فقط، بل كانت من نصيب الجميع، فكأن العرس يخص أهل القرية.. فالجميع مشغولون والجميع فرحون، والجميع مشاركون. الصورة قديما كانت جميلة وبسيطة. وما يميزها إضافة إلى ما سبق تلك الفزعات أو المساعدات النبيلة التي تبذل دون طلب. فلا يذكر أن في بيت فلان عرسا حتى يقدم إليهم كل ما يحتاجون.. القدور والصحون والمواقد والصواني.. وتشارك النساء جميعا في إعداد وليمة العرس.. فلكل بيت حوش أو مساحة من الأرض ملحقة به، قبل العرس بيومين أو ثلاثة يتم تجهيز المكان وينظف وتبعد منه المواشي إن كانت موجودة. وعندما يحين وقت العرس يعد غداء صغير لإكرام الضيوف القادمين من خارج القرية. أما العشاء فيشمل الجميع (أهل العروس وأهل العريس) ضيوفا وأصحاب أرض. وفي اليوم التالي ينتقل الاستنفار إلى بيت أهل العريس، ليقوموا بدورهم بإعداد غداء للضيوف ثم تجهيز عشاء كبير يجمع كل أهل القرية في ليلة ما بعد العرس أو ليلة الزفاف ويقال لها (التحوال). وأيا كان مكان الفرح، في بيت أهل العروس أو أهل العريس، فإن حالة الاستنفار تشمل كل أهل القرية، فيقومون بجمع القدور الكبيرة من كل البيوت ـ عادة الميسورين ـ يلي ذلك توافد النساء إلى مكان الطبخ، فتنصب القدور على (المراكي) أو (الأثافي) وهي عبارة عن ثلاثة أحجار كبيرة توضع القدور فوقها وتشعل بينها النار تحت القدر، وتطبخ وليمة العرس التي عادة ما تكون (الجريش) في عدد من القدور، يكفي بطبيعة الحال لإطعام كل أهل القرية نساء ورجالا ـ بينما يطبخ اللحم في قدور أخرى. واللحوم تكون إما عدد من رؤوس الأغنام أو جمل صغير ـ وبعض الأحيان الاثنين ـ عدد من الأغنام وجمل صغير يسمى (الحاشي). وتطبخ وليمة العرس على دفعتين.. الأولى مبكرة قليلا تبدأ من بعض صلاة العصر مباشرة، وهذه يتم توزيعها في أوان صغيرة تسمى (البوادي) تحوي كمية مناسبة من (الجريش) وقطعة من اللحم وتسمى (الطعمة). تقوم النساء عادة بتوزيعها مع الفتيات والصبية إلى كل بيوت القرية. ويكون حجم البادية (أي آنية التقديم) مناسبا مع حجم الأسرة المقدم لها العشاء. أما الدفعة الثانية فهي مخصصة بكاملها (للجنب) وهي كلمة منحولة من كلمة (الأجانب) أي أهل العريس وضيوفهم الذين يفدون بعد صلاة المغرب مباشرة إلى مكان العرس المجهز بالقرب من مكان الطبخ أو في جزء منه، يفصل بينه وبين مكان الطبخ عادة ساتر أو حاجز أو رواق. وعادة ما تقدم فناجين القهوة للضيوف حال وصولهم إلى مكان العرس وسط غيوم البخور، وأصوات الترحيب والتهليل والدعاء بالتوفيق.. ثم تقدم بوادي (المرق) التي يتناولونها بفناجين القهوة.. ثم تقدم صحون (الجريش) تعلوها قطع اللحم. يذكر أنه من ضمن حالة الاستنفار يتم جمع دلال القهوة وأباريق الشاي والمباخر وأواني المياه التي تسمى (الغضارات). وقبلها بيومين أيضا يتم جمع كميات من الحطب إما حطب السمر وإما الأرطي وإما من جذوع الأثل وكرب النخيل. وفي الغالب إن كان أهل العريس وأهل العروس من القرية نفسها.. فإن جميع ما تم جمعه في بيت أهل العروس ينتقل في الليلة نفسها وبعد أن ينتهي كل شيء ويخلد الضيوف إلى النوم، تنتقل إلى بيت أهل العريس ويتكرر المشهد في اليوم الثاني. ولائم الصعايدة! ومن ولائم نجد ونكهتها الخاصة ننتقل إلى قلب الصعيد المصري، حيث تتخذ ليلة الدخلة وولائمها في هذه المنطقة رونقا خاصا. من هناك يتذكر أسامة إبراهيم ولائم الزفاف ويقول: بمجرد أن يصل الولد في كثير من قرى الصعيد المصري (الجواني) إلى سن الرابعة عشرة، حتى يبدأ الأبوان، والأم على وجه الخصوص، في البحث المتأني عن الفتاة المناسبة لابنها بين الأهل والجيران. وعندما يقع الاختيار على فتاة بعينها، تبدأ مهمة الأب الذي يذهب بصحبة نفر من عائلته لمقابلة والد العروس ومفاتحته في أمر الخطبة. فإذا حصل المراد، ووافق والد العروس، يذهب وفد (حريمي) من قريبات العروس لزيارة الفتاة المختارة في بيت أهلها، حيث تقضي الأعراف في مثل تلك المناسبة قيام الفتاة بإعداد بعض المأكولات وتقديمها بنفسها للضيوف كنوع من إثبات مهارتها في طهي الأطعمة وتقديمها، وذلكم من الشروط الأساسية التي تؤهل أي فتاة للانتقال من المرحلة العزوبية إلى الزوجية! بعدها يتفق الطرفان على تفاصيل المهر ومراسم الزواج حسب ظروف كل منهما، ويكون ذلك بمثابة الخطوة الأخيرة التي تسبق حفل الزفاف أو يوم الدخلة كما يسميه أبناء الصعيد. وبطبيعة الحال، فإن حجم الوليمة ومظهرها وعدد أيامها أيضا يختلف من عائلة إلى أخرى حسب الإمكانات المالية والوضع الاجتماعي لكل عائلة. لكن، وبغض النظر عن حجم الوليمة أو قيمتها، فإن هناك أطعمة بعينها تقدم لـالمعازيم في مثل هذه المناسبات لا تكاد تختلف من فرح لآخر، وهو ما نقصد به هنا أطباق الملوخية والبطاطس والقلقاس والبامية والكوسة التي وإن اختلف كل منها عن الأخرى، إلا أن العنصر المشترك الأعظم فيما بينها يتمثل في السمن البلدي الخالص الذي يعطي هذه الأصناف مذاقا خاصا يجعل المعازيم يقبلون على التهامها بنهم شديد. المهم، وقبيل أن ينتهي المعازيم من وجبتهم الدسمة تلك، يكون أحد أقارب العريس متحفزا لتوزيع هبر اللحمة الكبيرة على كل مدعو على حدة، وفي أثناء ذلك يقوم بترديد عبارات الترحيب والمزاح الثقيل على الطريقة الصعيدية من قبيل بسم الله وخد دي مني بالصلاة على النبي ومنور يابوخالو وغيرها من الجمل التي تحث المدعوين بإصرار مبالغ فيه على تناول المزيد من الطعام واللحوم. أما العائلات المقتدرة فتحرص على ذبح بقرة، أو جاموسة أو أكثر أمام منزل العريس في صبيحة يوم العرس، وغالبا ما يتم ذلك على سبيل التباهي والتفاخر. وفي أثناء ذلك تنطلق أصوات الزغاريد النسائية من داخل المنازل، ولا يخلو الأمر بطبيعة الحال من إطلاق أعداد هائلة من رصاص البنادق الآلية والمسدسات وغيرها من أنواع الأسلحة التي لا يخلو منزل منها في الصعيد. الطريف، أنه بعد الانتهاء من الذبح، تنتزع كبد الذبيحة وأحشائها ومخها وقلبها ويتم قليها في السمن البلدي وتقديمها للعريس، لاعتقاد أهالي الصعيد بأنها تجعله أكثر قوة وفحولة في ليلة عمره، في حين تتولى أم العريس أو إحدى قريباتها مهمة إطعام فتاتهم بـالفطير المشلتت المغموس في العسل الأسود! وبعد أن يتناول الجميع طعامهم، يبدأ الاحتفال الصاخب الذي يتخلله رقصات استعراضية على دقات الطبل البلدي والمزمار الصعيدي، حيث يمتد الاحتفال إلى قبيل فجر اليوم التالي، عندها يبدأ الحضور في الانصراف تباعا مع الدعوات للعروسين بالرفاء والبنين.. المناسف الأردنية! ومن عمان يكتب لنا أحمد أبو عراق عن ولائم العرس الأردني، مؤكدا في البداية أن المنسف هو الطعام الأكثر شيوعا في حفلات الزواج، ويضيف: يقدم الطعام للمدعوين في وليمة العرس بعد الساعة الثانية ظهرا عادة. حيث تجهز مناسف الرز واللحم دفعة واحدة في مكان الطبخ وتشرب بالجميد (الأقط) اللبن المطبوخ وفي أثناء ذلك يقوم أحد الصبيان من أسرة العريس ومعه إبريق من الماء ومنديل من القطن أو بشكير وصينية ذات عمق مناسب، ويصب الماء على أيدي المدعوين بقصد غسل اليد قبل الطعام. ومن التقاليد الطريفة أن يأكل الفرد من المنسف بيده لا بالملعقة أو الشوكة والسكين، فأكل المنسف بغير اليد في هذه المناسبة أمر مستهجن وبعيد عن الذوق وغير مستساغ! وبعد الانتهاء من تشريب المناسف، يتبرع أهل العريس فيحمل كل رجل منهم منسفا ويقدمه للمدعوين. أما النساء فيشيعن الحاملين للمناسف بالزغاريد. وفي الوقت نفسه يسير خلفهم أحد الأشخاص وهو يحمل طنجرة مملوءة بالجميد، وعند وضع كل منسف في المكان المخصص له أمام الضيوف يقوم الساقي بتشريب المناسف مرة ثانية بالجميد. ولآكل المنسف آداب أيضا، حيث من غير المستحب أن يمد المدعو يده إلى غير المكان الذي أمامه، وإلا عد شرها وقليل الذوق، كما لا يجوز أن يتناول من أمام جاره قطعة من اللحم، فإذا ما مس قطعة من اللحم من أمام جاره فيحق لجاره أن يمنعه بالقوة لأنه تمادى واستخف بمن جاوره. ومن يرضى أن تؤخذ قطعة اللحم من أمامه، فهو إنسان خائب وتافه ورديء الأصل والمنبت، وهذا في شريعة المجتمع عيب وعار! ولائم مغربية حلوة المذاق! ننتقل الآن إلى المغرب مع الزميلة سامية عامر التي كتبت لنا عن ولائم الأعراس الشهية التي تتكون عادة من أربعة أطباق رئيسة: أولها طاجين اللحم بالبرقوق والسمسم أو اللوز والبيض، وثانيها البسطيلة بالدجاج أو السمك، وثالثها طاجين الدجاج بالحامض والزيتون، وأخيرا الكسكس الحلو (التفاية). أما الحلويات فعبارة عن عجائن محشوة بمسحوق اللوز المحمص أو المقلي، وبخاصة كعب الغزال والبريوات باللوز المنقوعة في العسل والشباكية أو المخرقة. ويحرص أهل العرس عموما في ولائمهم على المذاق الحلو في الأطعمة تيمنا بحياة حلوة وسعيدة للعروسين. وتستغرق أيام العرس المغربي ثلاثة أيام في الغالب ولكنها بدأت تختصر في الوقت الحالي إلى يومين فقط. في اليوم الأول أو ليلة الحناء يبدأ بنظام أكل لحاله، إذ غالبا ما كانت العائلات تقتصر على تقديم طبق الكسكس الحلو المعد بالدجاج ومعسل البصل والزبيب، وقد يتبع بطبق آخر من اللحم بالبرقوق، بل إن العائلات كانت تفضل في يوم الحناء أن يتذوق الحضور حتى من الذبيحة الأولى، حيث تحضر التقلية أو العلاوة أو الشكانبا (تختلف التسمية حسب المناطق) وهو طبق يحضر من أحشاء الخروف أو العجل المتبل بالفلفل الأسود والكمون والفلفل الحار والزيت والسمن. وقد يتغير طبق الكسكس بطبق آخر هو اللحم المحمر أو تحضر الأطباق كلها حسب إمكانات كل عائلة. وقد يتنافس في ذلك المتنافسون الذين يريدون أن يكون عرسهم حديث الناس. وقبل الأكل، وأحيانا بعده، تدور كؤوس الشاي بالنعناع على الحاضرين وتفرق حلويات الغريبة التي تعد من أشهر الحلويات التقليديةالمغربية، وهي تحضر بالسمن والزبد والسكر وحبات السمسم، وكذلك الفقاص وحلوى الفول السوداني. أما اليوم الثاني ويدعى يوم البرزة أو الظهور فهو اليوم الذي تتزين فيه العروس أكثر من مرة وتجلس في المنصة. وفي هذا اليوم بالذات يكمن الاختلاف، حيث إن بعضهم يفضل أن يكون الأكل عبارة عن حفل شاي توزع فيه أنواع مختلفة بمذاقات متنوعة من المالح أو الحلو مصحوبة بعصير الفاكهة. وهناك من يعد أكلا متكاملا، وعادة ما يكون عبارة عن لحم مشوي أو مطبوخ بمرق حلو وأطباق من بسطيلة الدجاج (رقائق في الفرن محشوة بالدجاج واللوز والبيض مزينة بمسحوق السكر والقرفة). وهناك من يفضل إنهاء الأكل بتقديم طبق حلوى المحنشة، وهي عبارة عن رقائق ملفوفة على شكل حنش ومحشوة باللوز المقلي والمطحون بعناية بنكهة القرفة وماء الزهر، وقد يضيف أهل تطوان بالخصوص القطايف، التي تشبه الكنافة في الشرق، محلاة بالعسل واللوز. وفي بيت العريس تستقبل العروس ومرافقيها بالتمر المحشو بالفواكه المجففة والحليب المنسم بماء الزهر. ويعد فطور العروسين في اليوم التالي لليلة الدخلة أو الرواح كما يسميه أهل المغرب، من الوجبات الأساسية، حيث بمجرد ما تخرج العروس من بيت والدها إلى بيت زوجها تبدأ نساء العائلة في إعداد فطور العروسين والضيوف المتبقين، ويكون عبارة عن حريرة معدة بقطع اللحم والبصل وصلصة الطماطم والكزبرة والبقدونس والسمن إضافة إلى الحلوى الشباكية التي تؤخد معها وهي حلوى مشهورة تعجن باللوز والسمسم وتقلى في الزيت وتنقع في العسل إضافة إلى رغائف وبغرير مسقي بالعسل والبيض المسلوق. يوم التحوال الكويتي! ذلك في الصعيد وعمان والمغرب. فماذا يأكل العرسان في الكويت؟ وداد اللنقاوي تحدثنا عن يوم الزفاف التحوال في الكويت الذي تقول إن طقوسه تستمر لأيام عدة يتخللها نقش الحناء وتجهيز الملابس وتزيين العروس وإطعامها إلى أن تنتقل من منزل والدها إلى بيت زوجها، وتمضي اللنقاوي قائلة: في صبيحة يوم العرس، يقدم لكلا العروسين إفطار يحتوي على الحليب المضاف إليه الهيل، فضلا عن طبق الدرابيل وهو عبارة عن أصابع مكونة من خبز رقيق هش يحشى بالسكر البودرة والهيل والقرفة ويلف وهو على الصاج ويترك ليبرد. ويتم إعداد هذا الطبق قبل المناسبة بأيام لتقديمها للضيوف مثلما يقدم للعروسين. تحتوي سفرة العروسين أيضا على طبق الرهش وهو حلوى الطحينية، وعادة ما يتوافر هذا في فصل الشتاء. ويقدم أيضا التمر أو طبق يدخل في تكوينه طحين البر والتمر والهيل. وعندما تتوفر الفواكه تقدم أيضا للعروسين حسب المناخ السائد ونوع الفاكهة المتوفرة في حينها. أما كعك قرص العقيلي والمكون من البيض والطحين والسكر والسمن أو الزبدة والهيل والزعفران، فإنه يخبز مع الكعك على نار هادئة، حيث يدفن الإناء الذي يحتوي على هذه الخلطة في النار التي تخبو بعد تجهيز الخبز أو طهي أطباق أخرى، حيث لم تكن تتوفر الأفران آنذاك كما نعرفها الآن. ويهدي العريس أهل العروس كمية من الحلوى الطحينية أو الحلوى العمانية، حيث تقوم عائلة العروس بتقسيم هذه الحلوى وتوزيعها مع الخبز الطازج على الجيران والأقارب في صباحية العرس. وتقام وليمة كبيرة يوم التحوال حيث تنتقل العروس إلى منزل زوجها. وتقام هذه الوليمة في منزل الزوج وتتكون من الأرز واللحم وتدعى لها العروس وأهلها وأقاربها وأهل العريس وأقاربه وأصدقاؤه. وتقام وليمة أخرى في منزل أهل العروس في أول مناسبة تزور العروس فيها منزل والدها بعد مغادرته إلى بيت زوجها، ويدعى العريس وأهله إلى هذه الوليمة كنوع من التكريم وزيادة المعرفة وتوطيدها بين العائلتين. وعادة ما تقدم أطباق الهريس والجريش مع طبق اللحم والأرز أو الغوزي. العصيدة السودانية! أما زميلنا الطيب شبشة فقد فضل الحديث عن الطاهيات المحترفات في بعض مناطق السودان اللواتي يتولين مهمة إعداد أطعمة الأفراح، ولكنه يستدرك موضحا: لا يعني كون هؤلاء النسوة طاهيات محترفات أنهن يتقاضين أجورا أو أتعابا نقدية أو عينية، فهن دائما ما يفعلن ذلك على سبيل المشاركة الاجتماعية وتكريم أهل العريس والعروس. أما الطعام الأساسي في الأعراس فهو وجبة العصيدة (الثريد) بملاح (آدام) التقلية، وهي عبارة عن لحم قديد مطحون كالدقيق يخلط بمسحوق الويكة (وهو البامية المجففة). أما العصيدة نفسها فهي من عجينة الذرة البيضاء بعد عزل النخالة من الذرة وطحنها دقيقا أبيض.. ثم توضع مقاديره في كمية من الماء حسب عدد الآكلين ويطبخ في قدور مختلفة الأحجام. وحين تنضج العصيدة تبدو بيضاء شفافة جدا ولكن متماسكة أشبه بشحمة كبيرة! وأحيانا تؤكل العصيدة بإدام يسمى النعيمة وهو عبارة عن خليط من مسحوق اللحم القديد ومسحوق الويكة مع اللبن بدلا من الماء. هناك أيضا طعام السلات الشهيرة في السودان وهو عبارة عن شرائح لحم الابل أو البقر أو الضأن تتبل ثم توضع على أحجار من الصوان بعد غسلها جيدا مما عليها من غبار وأتربة.. تنشر عليها تلك الشرائح في العراء عندما تكون درجة حرارة الشمس فوق الأربعين درجة.. حيث تنضج تلك الشرائح بحرارة الشمس ثم تؤكل فقط مع حليب الإبل. ولرأس عجل السمك عند بعض بطون قبيلة الدنيكا قيمة غذائية قد تساوي في قيمتها مهر عروسة بكر.. ففي إحدى بطون قبيلة الدنيكا في ضاحية ولاية جنقلى توجد قبيلة تكون فيها رأس عجل السمك مهرا كافيا لفتاة بكر! ويكثر الجنوبيون في مناطق أعالي النيل من صيد الأسماك وأحيانا يلجؤون إلى صيد الغزلان للطعام حتى لا يضطرون إلى ذبح بقرة أو ثور أو خروف أو نعجة أو معزة ذلك لأن لهذه الماشية قيمة كبيرة في هذه المناطق، فهي ثروتهم الأساسية وغالبا ما يتعاملون بها، خصوصا إذا علمنا أن المهور عند الزواج تدفع بالأبقار والضأن وليس بالمال!