الخلافات الزوجية توابل أم قنابل

لن أعود إليه مرة أخرى.. إنها لا تطاق لقد خدعتني برقتها المزيفة عبارات نسمعها من الزوجين كلما بدر الخلاف بينهما وعصف بالعش الهادئ، إذ يجتهد كل واحد منهما في تعداد العيوب التي اكتشفها في الآخر ومقدار التضحية التي قدمها لتسيير سفينة الحياة الزوجية بلا طائل، ومن ثم ضرورة وحتمية الانفصال. يقولون دائما: إن الخلافات توابل الحياة الزوجية، فهي تكشف للزوج خصال زوجه، وتؤكد حاجة كل منهما للآخر، لكن واقع الحال يؤكد أن تلك التوابل أصبحت قنابل تهدم أكثر من ربع عدد الزيجات الجديدة، وتلقي بالأسرة في مهب الريح، فما الذي حدث ؟ ولماذا أصبحنا أقل صبرا وأسرع ضجرا من أزواجنا؟ ولماذا تعطلت آليات الصلح بين الزوجين؟ وهل توجد حياة زوجية بلا خلافات؟ للمتزوجين والمقبلين على الزواج نقلب صفحات هذا الملف. رغم أن القرآن وضع حلولا لإرشاد الزوجين إلى الصلح وحدد خطوات لهذا الصلح مثل: مجالس الصلح من عائلتي الزوج والزوجة، إلا أن غالبية المتزوجين إما يجهلون أو لا يأخذون بهذه الإرشادات القرآنية، وفي أحيان كثيرة لا تفكر أسرتا الزوج والزوجة في الأخذ بها أصلا مع أن الصلح أكرم وخير للطرفين. ورغم أن القوانين المنظمة للأحوال الشخصية في دول العالم العربي والإسلامي تنص غالبا على خطوات معينة يجب أن يلجأ إليها القاضي بهدف عرض الصلح على الزوجين قبل البت في طلبات الطلاق المقدمة إليه، إلا أنه لكثرة القضايا جرى العرف على الاقتصار على عبارات روتينية مألوفة يقولها القاضي للزوجين أو محاميهما في بداية جلسات محاكم الأحوال الشخصية يعرض فيها الصلح على الطرفين، فيرفضان أو لا يجيبان فيسير القاضي في إجراءات التقاضي الطويلة المعقدة! حصاد غياب الصلح بين الزوجين مؤلم، إذ هدمت ثلاثة ملايين أسرة في مصر و34? من الزيجات الجديدة في البحرين و29? في الكويت و 38? في قطر و37? في الإمارات و 25? في السعودية وقد دفعت زيادة حالات قضايا الطلاق بعض الدول للسعي إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية لوضع مزيد من القيود لسرعة إنفاذ أحكام الطلاق وفتح المجال أمام الصلح بين الزوجين وأمام وسطاء الخير من طرفي العلاقة الزوجية لرأب الصدع، إذ سعت مصر لوضع قانون جديد للأحوال الشخصية يهدف لإطالة فترة الصلح إلى ستة أشهر، بعكس القانون القديم الذي لم يهتم كثيرا بإجراءات الصلح مع تزايد عدد القضايا المطروحة يوميا أمام القاضي (70- 80 قضية طلاق ينظرها القاضي المصري في الجلسة الواحدة!) ووفقا للقانون الجديد الذي بدأ العمل به سيكون من صلاحية القاضي التركيز على الصلح لإنهاء دعوى الطلاق وتأجيل القضية إلى ستة أشهر أملا في الصلح. ويختلف السبب الذي يدفع بالخلافات الزوجية إلى مرحلة الطلاق من دولة لأخرى، إلا أن الدراسات المنشورة في هذا الصدد في مراكز البحوث الاجتماعية العربية تضع عدة أسباب منها: أسباب شخصية متعلقة بكل زوج وزوجة وطباع كل منهما، وأسباب جنسية، وأخرى اجتماعية تتعلق بالعلاقات العائلية، ورابعة اقتصادية تتعلق بالمستوى الاقتصادي للزوج والزوجة، أو ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية وزيادة نسبة البطالة في العالم العربي، فضلا عن شيوع أنماط الحياة الغربية الشاذة مثل الترف الاستهلاكي لبعض الزوجات مما يرهق ميزانية الزوج، وشيوع الخيانات الزوجية والزنا، فضلا عن تقليد الأنماط الغربية في صورها العديدة التي تنقلها شبكات التلفاز عبر الأقمار الصناعية والأطباق اللاقطة، وشبكات الإنترنت، فيكون لها تأثيرها السلبي على بعض الأزواج غير المستقرين في حياتهم الزوجية. ويؤكد الخبراء أن كثرة مشكلات الحياة اليومية واندثار الصفات الحميدة للحياة الزوجية وعدم احترام الزوجين كل منهما للآخر فضلا عن المشكلات الشخصية هي أكثر الأسباب التي تؤجج الخلافات الزوجية. يقول المحامي عماد إبراهيم المتناوي عضو مجلس نقابة المحامين المصرية: إن أغلب الخلافات بين الزوجين - كما رآها بنفسه في المحاكم - سببها الحالة الاقتصادية وعجز الزوج عن الإنفاق وتطلع الزوجة لحياة أفضل وعدم صبرها على واقعها في ظل انخفاض الدخول وارتفاع أسعار السلع ومتطلبات الحياة الاجتماعية، ويؤكد أن 80? من المشاكل الزوجية التي تفضي للطلاق ترجع إلى هذا السبب، فهناك زوجات يرهقن أزواجهن بكثرة الطلبات والسلع والأجهزة الكهربائية، ويزيد الأمر صعوبة إذا كان هناك تفاوت مادي بين الزوج والزوجة أو من عائلتيهما، كأن يكون أهل الزوجة في مستوى مادي أعلى من الزوج والعكس صحيح. وهناك أيضا نسبة تقدر بـ 20? من الخلافات الزوجية ترجع لتدخل أهل الزوج أو الزوجة في حياة الزوجين، وهو مايكثر حدوثه في القرى الريفية والمجتمعات الصغيرة. وبشكل عام تزيد حالات الطلاق في المدن وتقل في المناطق الريفية، إذ إن أهل الريف لا تسمح تقاليدهم للزوجة أن تذهب للمحاكم لتقاضي زوجها وتخرج أسرار بيت الزوجية، ولذلك يتم إنهاء أغلب الخلافات في جلسات صلح ودية وعائلية. ويزيد المشكلة تعقيدا أن بعض الدول تضطر لمواجهة ضغوط خارجية بسن قوانين للأسر تخالف الشريعة الإسلامية، وبالتالي تفتح جروحا جديدة في جسد الأسرة بحجة مواكبة قرارت صادرة عن الأمم المتحدة ومؤتمرات السكان وغيرها. معالجة الإسلام للخلافات الزوجية أرسى الإسلام دعائم الأسرة المسلمة وحض على تكوينها وحافظ على كيانها وتعرض لجميع مراحلها من بداية التفكير في بنائها والعزم على ذلك حتى انفصام عراها. كما أنه نظم الحياة الزوجية وحدد العلاقات على أساس المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف وغير ذلك مما يحفظ هذه العلاقة ويديمها، لمنع وتقليل احتمال نشوء الخلافات والشقاق بها، فضلا عن بيان الآداب والأحكام في كيفية معالجة هذه الخلافات عند حدوثها. ومن ذلك أن الإسلام، حض على حسن اختيار الرجل للمرأة وجعل المعيار الأول هو الدين والأخلاق، كذلك جعل من شروط الزواج الكفاءة بين الزوجين، سواء كانت الكفاءة في الدين والتقوى أو النسب أو السلامة من العيوب أو الكفاءة في العمل والمال والمستوى الاجتماعي والثقافي، وذلك لتحقيق التفاهم والانسجام بين الزوجين وتحقيق استقرار الأسرة وتقليل أسباب الخلاف، لأن الفوارق المادية والاجتماعية بين الزوجين - لا سيما إذا كانت هذه الفوارق لصالح الزوجة- تؤدي إلى كثير من المشكلات داخل نطاق الأسرة. كما حدد الإسلام حقوق وواجبات كل طرف من أطراف عقدالنكاح حتى لا يجور طرف على الآخر، فجعل القوامة للزوج فهو المسؤول عن بيته وزوجته وعليه النفقة، قال تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فللرجل الإشراف على البيت وعلى الزوجة والأولاد والقيام على شؤونهم، وعلى الزوجة أن تطيع زوجها وتسلم له بقيادة البيت وسياسة أمر الأولاد، ومن المعلوم أن تحديد الحقوق والواجبات تحديدا واضحا في البيت يقلل كثيرا من أسباب الخلاف. كذلك فقد قدم الإسلام التوجيهات والنظم التي تمنع أو تقلل من احتمالات نشوء الخلاف بين الزوجين، ومن هذه الأمور ما جاء في الآيات الكريمة من حض على حسن المعاشرة وعدم الإضرار بالزوجة، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. المودة والرحمة هما أساس العلاقة الزوجية فإذا تحققا دامت واستمرت وذاب بهما كل سبب للخلاف والشقاق في مهده، كما قال الله تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. المعاشرة بالمعروف هي الأساس، وهي خلق المسلم مع زوجته وواجبه الذي لا جدال فيه.. قال تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن والإحسان في السكن والنفقة أصل آخر للمعاشرة بالمعروف، ومنع الضرر تحديد لحدود القوامة والمسؤولية من الزواج فلا إساءة لاستخدام السلطة.. وقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. الحديث، فتقوى الله واجب المسلم في حياته كلها، وأكد عليه صلى الله عليه وسلم في مقام معاملته لزوجاته ليضع حدا للشطط والمزايدة في إساءة استخدام الحقوق. وبرغم كل هذه الضمانات فقد تحدث الخلافات بين الزوجين، وللأمر مقدمات عالجها الإسلام في ضوء الحقوق والواجبات التي أقرها لكل من الزوجين، فقد عالج الإسلام أسباب الخلاف قبل ظهورها. ومن أول بادرة تظهر سواء أكانت بسبب المرأة أم الرجل، ووضع سبلا لعلاج كل حالة بما يناسبها، فالزوجة إذا رأت من زوجها نفورا أو إعراضا فلها أن تسترضيه وتسعى لكسب وده، وذلك بالتنازل عن جزء من المهر أو جزء من نفقتها أو إعطائه من مالها أو بتقديم هدية إن كان في ذلك ما يحسن العشرة ويؤلف بين القلوب ويصلح النفوس.. قال تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلاجناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير. وإذا خاف الزوج النشوز والإعراض من زوجته فقد حدد الإسلام الطريق للرجل لقطع الطريق على الخلافات الزوجية حتى لا تتسع، قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا فقد حددت الآية ثلاث وسائل للزوج مرتبة لا ينبغي أن ينتقل إلى الثانية قبل إعمال الأولى، فالوعظ يسبق الهجر والضرب آخر المراحل. والوعظ يكون بتذكير المرأة بما أوجب الله عليها من طاعة الزوج وحسن المعاشرة وحسن الصحبة والاعتراف للزوج بالقوامة وأن له درجة على المرأة، والوعظ يكون بجميل القول واختيار الأوقات التي يرجى فيها قبوله، فعلى الزوج أن يتخير وقتا تكون فيه نفس الزوجة مهيأة لقبول النصيحة، وكذلك اختيار اللفظ الجميل المناسب المربوط بآيات الله سبحانه وتعالى. فإن لم تجد هذه الوسيلة يكون الانتقال إلى الثانية، وهي الهجر في المضجع، بأن يبيت مع زوجته ولا يضاجعها، وهذا الأمر فيه من الألم للنفس ما يدفع الزوجة إلى الرجوع إلى الطاعة، فمهما يكن حال المرأة ومركزها وعدم رغبتها في المضاجعة إلا أنها تحب أن تكون مرغوبة ومطلوبة، ويؤلمها أشد الألم أن يجفوها زوجها، فتبحث عن الدوافع التي من أجلها تغير حاله، وتحاول إزالة أسباب تلك الجفوة حتى تعود إلى مكانتها الأثيرة عند زوجها. أما إذا استمرت في العناد ولم تنفع معها تلك الوسائل النفسية، فيلجأ الزوج للوسائل الحسية، والعقوبة الحسية هنا هي الضرب وهو إشارة إلى الغضب الشديد من عدم إطاعة الزوجة، وليس عقوبة تؤلم الجسد بقدر ما تؤلم النفس، فقد قال صلى الله عليه وسلم: اضربوا النساء إذا عصينكم ضربا غير مبرح ، وقال عطاء قال لابن عباس: ما الضرب غير المبرح ؟.. قال: بالسواك ونحوه. والضرب على هذا النحو فيه من الألم النفسي ماهو أكبر من الألم البدني. الخصوصية ويحافظ الإسلام على خصوصية الأسرة، ومن ثم يسعى إلى حل الخلافات بين الزوجين داخل الأسرة في بيت الزوجية، ولا تخرج هذه الخلافات لأب أو أم الزوجة أو الزوج أو أقرب الناس لهما، لذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يـسأل الرجل فيم ضرب أهله وذلك حتى لايعلم أحد بالخلافات بين الزوجين، ولأن هذه والخلافات إذا علمها أقارب الزوج أو الزوجة فتحمس كل فريق لصاحبه أدى ذلك إلى زيادة الشقاق الخلافات في العلاقات بين الأسرتين يصعب أن يمحوها الزمن ويدركها النسيان. أما إذا كانت هذه الخلافات أكبر من قدرة الزوجين على حلها، وعلم بها القريب والبعيد كان تدخل الأهل لحل الخلاف واستئصاله.. قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا. ويكون تدخل الأهل حسب هذه الآية بأن يمثل الزوج والزوجة حكمان من أهلهما، على أن يكونا من أهل العدالة وحسن النظر والعلم بالفقه والدين، وأن تكون إرادة الحكمين منصبة على الإصلاح بين الزوجين أولا قبل اقتصاص الحقوق، فإن على الظالم أن يؤخذ منه الحق للمظلوم ويجبر على إزالة الضرر، وحكم الحكمين واجب التنفيذ إن اتفقا على شيء. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزر الحكمين إذا لم يتم على يديهما الصلح، لقوله تعالى: إن يريدا إصلاحا أما إذا استحكم الخلاف بين الزوجين واستحال التوفيق بينهما كان الطلاق - وهو أبغض الحلال إلى الله- أفضل في هذه الحالة للمجتمع وللزوجين، فالحكم على الاثنين بالحياة مع بعضهما تحت سقف واحد رغم التباغض بينهما يجعل البيت سجنا بعد أن كان واحة للسكن والراحة وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته.... مسؤولية مشتركة يقول الشيخ عادل حسن مدير مكتبة بالبحرين: حدوث المشاكل في الأسرة أمر طبيعي، إذ لا تخلو أسرة من المشاكل لكن إذا زادت المشاكل في الأسرة بحيث كانت هي الغالب، فإن هذا نذير خطر على الأسرة. إنه من السهل أن نقول: إن طرق حل المشكلات الأسرية متدرجة من الأخف إلى الأشد. ولكن تحويل هذا الكلام إلى واقع عملي هي الحكمة التي نطمح في الوصول إليها. وضع الإسلام خطوات لعلاج المشاكل الزوجية، فإذا سرنا عليها حلت المشكلة، وإذا تجاوزناها استمرت المشاكل في الأسرة، وعلاج المشاكل ليس ملقى على جانب الرجل وحده أو المرأة وحدها، بل يشتركان في علاجها. أما من جانب الرجل فيبدأ بالخطوات المذكورة في قوله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن الآيه فيبدأ بالوعظ ثم إن لم ينفع ذلك هجر في الفراش، فإن لم ينفع ذلك ضرب الزوجة ضربا غير مبرح. والمقصود من هذه الخطوات هو إصلاح الزوجة، إذا تم الإصلاح بالأخف فلا يلجأ إلى الأشد، وعندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة بعد عودته من الغزو، رأى في بيتها ستارة فيها تصاوير، فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم ولم يدخل، فلما رأت عائشة تغير وجهه قالت: أتوب إلى الله يارسول الله، لقد تابت قبل أن يتكلم، وكأن التغيير إنما حصل بتغير علامات الوجه، فإن كان هذا يكفي فلا يلجأ إلى الكلام، وأيضا إذا كان الصمت يحل المشكلة فلا يلجأ الرجل إلى الهجر في الفراش، ويكتفي بهجر الكلام. إن الخطوات المذكورة في الآية تحتاج إلى وقت لتؤتي ثمارها، فينبغي للرجل أن يتروى في كل مرحلة، ولا ينتقل إلى المرحلة التي تليها حتى يكون قد بذل وسعه في المرحلة الأولى، فالوعظ يحتاج إلى شهور حتى نحكم أن المرأة لا تستجيب إلى الوعظ، وكذلك الهجر. أما جانب المرأة فمثل جانب الرجل في بعض الأمور، فهي أيضا تذكره بالله لعله يتذكر، ولكن هناك وسيلة تغفل عنها المرأة، وهي وسيلة نافعة جدا لحل المشاكل، ألا وهي الاعتذار للزوج وطلب رضاه، ولو كان الخطأ من جانبه، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة،الودود، الولود، العؤود، التي إذا ظلمت قالت: هذه يدي في يدك لا أذوق غمضا حتى ترضى. وهذه الطريقة تكاد تكون نادرة بين النساء في هذا الزمان بسبب تضخيم كرامة جانب المرأة وأنها لا تهين نفسها للزوج. ومن طرق حل المشاكل الزوجية الاستغفار، لأن المشاكل تحصل بين الزوجين بسبب الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما. ومن طرق حل المشاكل الزوجية إصلاح النية عند الطرفين، فإذا كانا صادقين في الإصلاح، أصلح الله بينهما وإن كانا غير ذلك زادت مشاكلهما، قال تعالى: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. ومن طرق حل المشاكل الزوجية اللجوء إلى الله بالدعاء والإلحاح عليه بأن يصلح ذات بينهما. ويضيف الشيخ عادل حسن: لا شك أن غياب التحاكم إلى الشرع سبب لتفاقم المشكلة، إذ لا يصلح لهذه الأمة إلا الشرع المطهر، فمتى أعرضنا عنه عوقبنا بكثرة المشاكل، إن إصلاح النفوس لا يتم إلا بمعرفة طبيعة هذه النفوس ومهما كان علم الإنسان حول النفس وطبيعتها فإنه لن يساوي شيئا أمام علم الله بالنفس وهو خالقها سبحانه، وهو أعلم بمايصلحها لذا وضع لنا الحلول التي تضمن صلاح نفوسنا فلنرجع إليها. فالحياة الطيبة لا تكون بدون العمل الصالح، والسعادة الزوجية لا تنال بمعصية الله، قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة وقال سبحانه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، فالمعيشة الضنك ضد الحياة الطيبة. ولا تنال الحياة الطيبة إلا بطاعة الله. أين مؤسسات الصلح؟ لا تقوم الجمعيات الأهلية أو المؤسسات الحكومية الاجتماعية - حتى الآن - بدور الوسيط أو حمامة السلام بين الزوجين في حالة اقتراب عش الزوجية من الانهيار كخدمة كافية للأسرة، وحتى الموجود منها تحول دورها في إطار الصراع الدائر في عالم اليوم بين الرجل والمرأة - بسبب أفكار غربية شاذة - إلـى مجرد عقد الندوات واللقاءات أو استضافة شخصيات معينة كنوع من الوجاهة الاجتماعية، بدلا من لعب دور في تعضيد الصلح بين الزوجين والتدخل لمنع تشريد الأطفال أو إرهاق المجتمع بمشكلات الزوجة المطلقة أوالزوج العازب! والأكثر إيلاما أن هناك دولا لا تسمح بإنشاء جمعيات أهلية اجتماعية من الأصل لأسباب قانونية أو غيرها، مما يقلل من فرص الصلح بين الأزواج لعدم وجود خيارات كثيرة أمام الزوجين المتنازعين. ويشير الواقع إلى أن الجمعيات العاملة في مجال خدمة الأسرة نادرة أو غير فاعلة لا تقدر على الصلح بين كل المتخاصمين، وليست لديها الإمكانية للقيام بدور اجتماعي سواء كان ماديا أو فنيا. تقول الدكتورة هدى بدران رئيسة رابطة المرأة العربية: إنه لا توجد مؤسسات فاعلة تقدم إرشادات زوجية لمساعدة الأزواج على الفهم والوعي حتى يتمكنوا من الارتقاء بالعلاقة الزوجية وحل مشاكلهم بطريقة ودية، والالتفات إلى دورهم المهم في تربية أطفالهم. وترجع د. هدى أسباب عجز مؤسسات وهيئات الصلح عن حل الخلافات بين الأزواج إلى حدوث تطورات أثرت بصورة أساسية على المناخ العام الذي يحكم علاقات الأسرة من النواحي النفسية، والاجتماعية، والتشريعية، وهذا ما أثر بدوره على السلوك الاجتماعي للأسرة، سواء في تسيير علاقاتها الداخلية والشخصية، أو في إدارة علاقتها تجاه الآخرين، وهذا بدوره أضعف فاعلية المؤسسات الأهلية في القيام بدورها الاجتماعي بصفة عامة. قد تكون مرحلة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، التي مرت بها الأسرة العربية وكذلك المجتمعات العربية، إحدى مظاهر انكسار البنية الأساسية للمجتمع وإعادة تشيكله وفق قيم ومعايير لاتراعي القيم الأخلاقية التي أرساها الإسلام، كما أنها لم تراع البنية الاجتماعية التقليدية العرفية، التي اتخذها المجتمع معيارا لمعالجة انحرافاته ردحا من الزمن، الأمر الذي كان من نتيجته أن انقلب الوضع الاجتماعي، وظهرت معايير أخرى، غيرت من نمط المعالجة لشؤون الأسرة. وعلى عكس ما تقوله د. هدى بدران، تؤكد عزة صلاح من مركز قضايا المرأة أن هناك مؤسسات اجتماعية فاعلة، ولكنها تحتاج إلى بعض الوقت حتى تظهر نتائج أعمالها الطيبة. الدور الأسري المفقود كان النموذج المتعارف عليه اجتماعيا، هو أن لكل من الأسرة والعائلة دورا معروفا ومحترما، في تسوية الخلافات الأسرية قبل أن تستعصي على الحل. وقد ساعد على شيوع هذا النمط وجود قدر من التوافق الاجتماعي حول أهلية هذه الأشكال في القيام بدور على مستوى الأسر باعتبارها الوحدات الأساسية للمجتمع، وكان ذلك في ظل مجموعة من القيم تؤكد احترام كبار السن، والمجالس العرفية وأحكامها. إلا أنه مع تطور وظائف الدولة وتدخلها في إعادة تشكيل المجتمع، وضعف السيطرة على المتغيرات الاجتماعية من جانب آخر، بدأت القيم الفردية تغزو عقول المجتمع وتسيطر على حركته الذاتية، حتى أصبحت كثير من الأسر تتعامل وكأنها وحدة مستقلة، وتصرف أمورها بصورة ذاتية دون أن تكون لأي من التشكيلات المجتمعية دور في التأثير عليها، الأمر الذي أدى إلى إضعاف دور المجتمع في تسوية الخلافات الأسرية، وهذا مانلاحظه بصورة خاصة في المدن الكبرى، حيث تتكرس قيم الفردية في أوضح صورها، فمن خلال مطالعة دراسات ميدانية عن الأبنية الاجتماعية، لم نجد رصدا لأي من هذه الأشكال التي تقوم بدور اجتماعي في هذا الشأن وكان الارتباط بصورة أكبر متجها إلى الأسرة كوحدة مركزية. أما على مستوى المناطق الريفية، فإنه من الملاحظ أن الارتباط بالأسرة الممتدة والعائلة يبدو أكثر وضوحا إلا أنه أقل تأثيرا عما كان عليه في السابق. الدور الآخر - الذي لايقل أهمية عن السابق- هو أن التأسيس التشريعي لقوانين الأحوال الشخصية في معظم البلدان الإسلامية كانت محكومة بفلسفة وضعية، أنعكست على تنظيم التقاضي في الأحوال الشخصية فهذه القوانين تتعامل مع الأسرة بفلسفة مادية ووبضعية لم تأخذ منهج الإسلام، كما أنها - القوانين الأسرية- لا تعترف بالدور الاجتماعي الذي تقوم به الروابط العائلية والتشكيلات المجتمعية الأخرى، في نطاق تسوية الخلافات، وفي ممارسة دورها في توجيه السلوك الاجتماعي. ومن ثم كان من نتيجة هذا أن دخلت الدولة طرفا مباشرا في العلاقة داخل الأسرة، مقوضة بذلك دورا مهما كانت تقوم به المؤسسات الأهلية، وهذا الحال أدى إلى تضخم الدور الاجتماعي للدولة، نتيجة غياب الشريحة الوسطى من المجتمع، والتي كان لها دور مشهور في القيام بدور وسيط بين الدولة والمجتمع، ذلك أن تزايد تدخل الدولة، ومحاولتها المستمرة تفكيك البنى الاجتماعية المستقرة أدى استفراد الدولة بشؤون المجتمع والأسرة. التقدم إلى الخلف! هذا التدخل من جانب الدولة كوسيط لحل الخلافات الزوجية مني بفشل ذريع، فهذه ليست من مهام الدولة، ولعل تجربة مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية في مصر خير شاهد على ذلك، فقد أنشئت هذه المكاتب عام 1962م وهي تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وبلغ عددها الآن 82 مكتبا، وقد وافق وزير الدولة على تحويل القضايا إلى هذه المكاتب لكن صيغة القرار ليست إجبارية. ومما يثير الدهشة أن عدد المترددين على هذه المكاتب لا يزيد على حالتين أسبوعيا! برغم أنها منتشرة بجميع محافظات مصر حتى النائية منها. غير أنه من المؤسف القول بأن هذه المكاتب لا تباشر حاليا عملا جديا.. بل تظل مفتوحة الأيام الطوال دون مرتادين يعمرونها . فالأزواج ينأون بأسرارهم عن هذه المكاتب لانطواء مشكلاتهم على جوانب حساسة يخشون افتضاحها أو كنوع من الخجل، أو الخوف أو الرهبة. سبب آخر من أسباب ضعف الإقبال على هذه المكاتب ضعف الوعي الاجتماعي، فالمجتمع مشغول بتفاصيل الحياة اليومية.. الأمر الذي جعل الخدمة الاجتماعية مسألة لا يتصور أحد أنها يمكن أن تأخذ بيد أي مواطن الى مرفأ الأمان. والقطاع الأكبر من الناس يرى أنه أكبر من أن يعرض مشكلاته على بساط البحث.. في تلك المكاتب!! إذ ينظر إليها على أنها مجموعة من الموظفين قابعين في انتظار رواتبهم!! الأسباب تصدمنا كثير من الخلافات التي تعصف بعش الزوجية، لأنها بسيطة ومن السهل التغلب عليها بقليل من الصبر والحكمة. تقول الدكتورة بنة بوزبون المحاضرة في قسم علم النفس بجامعة البحرين والأخصائية النفسية بالمستشفى العسكري: من خلال تجربة عملي الخاصة، فإن أهم العوامل التي تؤجج الخلافات الزوجية: - الاختلاف في الشخصية والطباع والمزاج. - المستوى الثقافي- وليس التعليمي- لكل من الزوجين. - النضج العاطفي، والمقصود به القدرة على التكيف وفهم الأمور وعدم التسرع بالحكم على الآخر. - عدم التوافق العاطفي والجنسي. - عدم احترام الزوجة لزوجها ومعايرته بأهله والعكس. وتضيف: الخلافات العائلية: بين الزوجين ظاهرة صحية جدا لأنه بطبيعة الحال توجد فروق فردية عند البشر، فنحن كثيرا ما نختلف مع إخواننا وآبائنا وأصدقائنا. وتعد السنوات الأولى من الحياة الزوجية من أخطر الفترات لأنها تمثل سنوات الاندماج والتكيف بين الزوجين. ونحتاج هنا لتقديم التنازل الذي يسهل عملية التكيف والتوافق، وعادة ما يكون التنازل غير متعلق بجوهر الشخصية بقدر ما يتعلق ببعض العادات والسلوكيات، ولكم أن تتخيلوا أن تأتيني حالات من الخلافات الزوجية التي تبدو في ظاهرها تافهة، كأن يحب أحد الزوجين أن يكون جهاز التكييف عاليا بينما الآخر لا يتحمل جسمه البرد، أو يحب أحدهم أن ينام ونور الغرفة مضاء بينما الآخر لا يغمض له جفن إلا في الظلام الدامس، ومشاكل أخرى: كالشخير، والصوت العالي، إلخ، هذه الأمور ليست بسيطة فإنها تتعلق في النهاية براحة الإنسان النفسية والجسدية، التي من المفترض أن يوفرها البيت. كل هذه الأمور تحتاج إلى تعاون وتكيف وتنازل وتعايش، وتبقى المشاكل في حدودها الطبيعية طالما حاول الزوجان التكيف مع بعضهما ويمثل لهما البيت مكان راحة واستقرار. ولكي يتغلب الزوجان على هذه الخلافات عليهما احترام الفروق الفردية بينهما في الشخصية والطباع والمزاج، وكذلك تقديم الأعذار لبعضهما عن بعض الأخطاء والهفوات التي تحدث ولا تعد ظاهرة أو متكررة كثيرا. ومن أهم ما يجب أن ينتبه له الأزواج هو عدم مناقشة الخلافات وهم في أوج الانفعالات الشديدة، لأنه في حالة الغضب يفقد الإنسان توازنه وحكمه الصحيح على الأمور، وقد يلجأ إلى التلفظ بألفاظ نابية للتخفيف من حدة توتره الداخلي، في هذه الحالة أفضل حل هو الاستعاذة بالله من الشيطان ومغادرة أحد الزوجين المكان. وأخيرا على المرأة أن تفهم عقلية وأسلوب وأولويات تفكير الرجل، ولا تفسر أفعاله بناء على مقوماتها الشخصية كأمرأة، فهي بطبيعة الحال مختلفة تماما عن مقومات الرجل، ونستطيع أن نقول إن المرأة والرجل يفكران بلغتين مختلفتين. الجانب المادي لا يحتل المرتبة الأولى في أسباب الخلاف بين الزوجين في رأي الدكتورة بنة، إذ تبدو المشكلة المادية قشرة للمشكلات الأساسية ولا تطفح المشاكل المادية على السطح طالما هناك تفاهم وراحة بال وإشباع عاطفي، وعندما تثار المشاكل العاطفية الأخرى بين الزوجين كل منهما يحرض على إثارة مشاكل أخرى ومنها المشاكل المادية. على عكس البحرين، تحتل الأسباب المادية المرتبة الأولى في أسباب الخلافات الزوجية في مصر، فكل أسرة تحاول أن توفر من المال ما يلبي احتياجاتها الضرورية، ونظرا لعدم مقدرة كثير من الأسر على تلبية هذه الاحتياجات تضطر الزوجة إلى العمل، بل تحاول أن تدبر عملا إضافيا للحصول على المال، وكذلك يلجأ الزوج إلى العمل في الفترة المسائية، وهنا يحدث اختلاف في توقيت وجود الزوج والزوجة في المنزل، ويؤدي إلى الإرهاق الذي يصاب به كل منهما، وبالتالي غياب التجاوب العاطفي.. حتى مع الأطفال الذين لا يحظون بتربية سليمة. وهناك أسباب أخرى مثل وجود أحد أقارب الزوجين، أو في احتفاظ الزوجة براتبها، وعدم قدرة الزوج على تدبير نفقات المنزل. ويتحدث الأستاذ علي المزيد- المحامي والمستشار والقانوني عن قضايا الخلافات الزوجية التي ترد إليه فيقول: هناك العديد من الأخوات يتصلن بنا ويتذمرن ويشكون مر الشكوى من تصرفات بعض الأزواج، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك الزوج الذي يستولي على راتب زوجته كل شهر، بالإضافة إلى إلزام الزوجة بدفع مصاريف البيت، بل حتى أن عقد الإيجار للمسكن باسم الزوجة وليس الزوج لأنها هي التي تدفعه، فهو يتعامل معها كالسخرة أو أكثر، ولا تستطيع أن تتفوه معه بأي كلام !!! وهناك من الأزواج من هجر منزل الزوجية لمدة ست سنوات، ولم يحضر ولم يعثر له على أثر، فهو لم يطلق الزوجة ولم يعاشرها بالإحسان، ولم يقم بالصرف على البيت والأطفال. وكذلك فإن بعض الأزواج يضرب زوجته ضربا مبرحا يصل إلى الشروع بالقتل ويتطلب العلاج والتداوي لدى المستشفيات أو المستوصفات. وهناك من الأزواج من يختفي ليلة الزواج ولا يدخل بزوجته ويذهب دون أثر، وهناك من يقفل البيت أو الشقة على الزوجة ويقطع عنها الهاتف، فلايمكنها من الاتصال بأهلها، ومنهم من يأخذ ولده (الرضيع) ويرمي الزوجة لدى أهلها ويمنع عنها رؤية الولد ولا ينفق عليها، والآخر الذي لا ينفق على بيته وأولاده وعند مطالبته بالإنفاق يترك البيت عدة شهور دون عائل للزوجة والأولاد اعتمادا على راتب الزوجة. ويرى الأستاذ المزيد أن أسباب الخلافات عديدة، فهي إما أن تكون بسبب كبر السن للزوج، أو بسبب العامل الثقافي حيث تكون الزوجة متعلمة وجامعية والزوج يحمل مؤهلا متوسطا، أو قد يكون الزوج متعلما والزوجة ليست كذلك، أو قد يكون الزوج عاطلا عن العمل والزوجة هي التي تنفق على البيت وبالتالي تنشأ الخلافات بينهما. ويشير الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن المسند إلى أن وجود شخصين ذكر وأنثى تحت سقف واحد، ويجمعهما فراش واحد، لابد أن يحصل بينهما خلاف يكبر ويصغر، وما يؤجج الخلاف هو عدم تجانس نفسية الزوجين، ووجود منازعات سلوكية أو ممارسات محرمة في الإسلام، ومنها الترف الذي أصاب الجيل الحاضر وتنعمه بأنواع النعيم منذ طفولته وتحقيق رغباته فلا يتحمل الحياة الجادة. ويوضح الشيخ المسند أن الإسلام عالج الخلافات بثلاث مراحل معروفة، وأن الصلح مبذول على مستوى الأفراد وكبار الأسرة، وعند قاضي المحكمة عندما يتقدم الزوج طالبا تسجيل الطلاق لكنه لم يتخذ الصبغة الرسمية بتكوين لجان الصلح مصاحبة لقضاة الزواج والطلاق، وتوجد هذه اللجان في بعض المحاكم في الخليج وفي البلاد العربية والإسلامية، بحيث لا يسجل القاضي الطلاق إلا بعد المرور على لجان الصلح. ولا داعي لذكر التقنين والقانون فلنا في ديننا غني وكفاية عن أي قانون. ويقول الشيخ المسند: في السعودية لا أعرف مراكز تمارس هذا النوع سوى جمعيات البر النسائية أحيانا، وأرى أن جمعيات البر رجالا ونساء هم المؤهلون للبدء بهذا النوع من العمل الاجتماعي، لأن المشاكل لا حصر لها، وأهمها اكتشاف سلوك في الزوج من أثر ممارساته خارج البلاد، أو تركه الصلاة أو اعتياده فعل أمر لا يليق مع الزوجة، ومن جهة الزوجة ترفها وعدم اعتيادها على العمل في البيت وعيشها مع خيالات وأحلام ترددها مع زميلاتها يقلدن الممثلات والمغنيات وما يكتب في المجلات فإذا واجهت الحقيقة تغير كل مابنته من عش العنكبوت. تختلف المشكلات الأسرية باختلاف مراحل العمر فقد يتزوج الشاب بفتاة عن حب، لكن أوضاعها تتغير بعد فترة من الزواج. فالظروف الاقتصادية تضطر الزوج إلى أن يعمل أكثر حتى يدبر أمور بيته، لكن الزوجة تنظر إلى هذا التغيير على أنه تحول عنها، وعدم إقبال عليها عكس ماكان يحدث آنفا! ويرى الزوج - في الوقت نفسه - أن وجود طفل جديد يعتمد على أمه بالكلية بمثابة إزاحة لموقعه الأثير لديها، خاصة إذا كان ممن يرون في دور الزوجة امتدادا لدور الأم في حياته.. الأمر الذي يدفعه إلى استنكار مايراه، متصورا أنها تزوجته لإنجاب أطفال، وكفى! في إحدى حالات الخلاف كان الزوج يعود من عمله مجهدا، وبالتالي لم يعد ينتقي أطايب القول كما كان يفعل أيام الخطوبة مما جعل الزوجة تنظر إليه على أنه رجل آخر غير الذي عرفته من قبل! وأحيانا يتزوج الشاب من فتاة لصيقة - بشكل سلبي- بأسرتها: أمها أو أبيها أو أخواتها، ثم تجد نفسها فجأة زوجة، يختلي بها زوج! هنا يصطدم الطرفان بما لديهما من عادات وتقاليد وعوامل تنشئة لا يستطيع أيهما أن يتخلى عنها، لأجل الدخول في دور جديد لم يعد له سلفا. أحيانا يكون الزوج ريفيا، والريفيون - بطبعهم- مرتبطون بالجماعة وتسود معاملاتهم روح البساطة والإقبال وصلة الأرحام لكن الزوجة تقاوم ذلك وترفض تطبيع العلاقات مع حماتها وأقارب زوجها! ولا تكتفي بذلك، بل تضج وتتململ ويكون ضيقها النافر عندما تتكرر زيارات أقارب زوجها لهما أو العكس وينشأ صراع بين ثقافتين مع أن الزواج علاقة بين أسرتين... وقد يفرض الزوج نظاما صارما على زوجته، تجاريه فيه، لكنها تكتشف أن أفعاله تخالف أقواله وأن سلوكه يضاد دروسه فتواجهه بخبيئة نفسه فينفر ويغضب منها. قدر مكتوب مشكلات الزواج كثيرة ومتنوعة ونفاجأ بأن الكثيرين قد ارتضوا أن يعيشوا بمشكلات بل وتعايشوا معها بحسبان أن تلك الخصومات أو المشاحنات قدر مقدور أو أجل مكتوب! وتزيد دهشتك عندما ترى دليلا عمليا على ذلك متمثلا في زوجين يعيشان - كل على حدة- تحت سقف واحد كل منهما له أسلوب حياته وأدواته الخاصة لكنهما يحرصان من حيث المظهر العام على القيام بواجباتهما الاجتماعية خير قيام بما يعطي الانطباع بأنهما زوجان سعيدان وهما في الحقيقة تعيسان. وهكذا تمثل المشكلات النفسية أكبر تهديد لمسيرة الأسرة فهناك حالات من المشكلات ظاهرية وقد تختلقها الزوجة كعدم إنفاق الزوج على البيت أو الخروج يوميا صباحا والعودة متأخرا وبمجرد دراسة الحالة يتضح أن الأسباب الظاهرة ليست هي السبب الحقيقي، بل إن هناك أسبابا أخرى خفية لاتريد الزوجة أن تفصح عنها، أو تتحرج من أن تكشفها كهجر الزوج لفراش الزوجية أو عدم الاهتمام العاطفي بها، وقد يكون السبب قلة اهتمام الزوجة بمشكلات الزوج وغيرها من الأسباب التي لا تظهر في الشجار بين الزوجين لكنها تتكشف أثناء دراسة الحالة، فالاغتراب النفسي والتشيؤ الاحتكام الى الأشياء .. مال - سلطة - مظهر كلها عوامل نفسية تؤثر في الزوج أو الزوجة لكنهما يكابران في الاعتراف بها. وهناك مشكلة غياب الزوج لسفره إلى الخارج فتظل الزوجة لسنوات بعيدة عن زوجها وقد لا تصلها منه أية مبالغ نقدية للإنفاق على أولاد بعض الزوجات اللائي يعلمن عناوين أزواجهن ويراسلنهم في الخارج، وبرغم ذلك لا يقوم الزوج بدفع أو إرسال أية نفقات بدعوى أنه لايعمل وغير ذلك من الحجج الواهية. عجزت عن مصالحة زوجي تقول دلال حسن عسيري: ليس هناك اثنان يعيشان تحت سقف واحد لا يختلفان، لكن على شرط أن يكون الاختلاف بسيطا ولا يدوم طويلا، أما إذا تحول إلى عدوان وانتقام وانقطاع العلاقة لمدة طويلة فإن ذلك سيؤثر سلبا على العلاقة الزوجية، بينما تقول ليلى المتزوجة منذ أكثر من عشر سنوات: في بداية زواجي كنت أعمل بنصيحة أمي وهي أن أصالح زوجي ولا أتركه ينام وهو غاضب علي، لكن زوجي تعود على ذلك وأصبح ينتظر أن أصالحه حتى عندما يكون مخطئا، وإذا لم أفعل يظل لا يكلمني مدة طويلة. وتضيف: زوجي رجل متقلب المزاج عنيد جدا إذا ماغضب يثور ويتفوه بألفاظ جارحة لذلك كنت دائما أكسر الشر.. وقد أمضيت السنوات الخمس الأولى من زواجي على هذا الحال، يخاصمني زوجي ويغلط علي وقت ما يشاء وينتظر إلى أن آتي وأطلب منه العفو، إلا أن الأزمات توالت وتفاقمت وأدت إلى الانفصال عن زوجي، وذلك بسبب عناد الزوج وتمسكه بموقفه، فقد بالغ في إحدى المرات في إهانتي وسبي مما اضطرني إلى أخذ الأولاد والذهاب عند أهلي، وانتظرت طويلا أن يأتي زوجي ويصالحني ولكنه لم يفعل، ثم طلبت من أهلي أن يتدخلوا لكن الزوج أصر على موقفه وحلف على تطليقي إذا لم أعتذر له، لكني تمسكت بموقفي وكان الطلاق.. تعويد الزوج هناك مثل شعبي معروف يقول: زوجك على ماتعوديه وابنك على ماتربيه فالزوجة التي تعود زوجها بالانحناء له منذ أيام زواجها الأولى وتعوده على تقبل أخطائه وتتحمل تجاوزاته فإنها من المؤكد ستجد نفسها في يوم من الأيام في موقف ضعيف، ويصبح الحل إمامها إما التحمل أو الثورة على الوضع، وهذا الحل الأخير قد لا يتقبله زوج تعود على أن تغفر له كل خطاياه. هذا ما قالته نورة وأضافت: أن أسمع كلام زوجي نعم، أن أطيعه فيما يرضي الله نعم، أن أحترمه وأقدره نعم، لكن أن أسمح له بتجاوز حدوده معي فلا!! لذلك اعتمدت منذ بداية حياتي الزوجية على هذا المبدأ وعودته على أن يصالحني إذا ما أخطأ في حقي وأن أصالحه أنا إذا أخطأت في حقه. إنني لا أترك الخصام يدوم أكثر من ساعات وتعودت أنا وزوجي أن نكسره وألانجعله يطول فالجفاء يولد برودة القلب وتجمد العواطف. وتقول مكية عبدالرحمن: زوجي ابن عمي، ومنذ أن وعيت الدنيا وأنا أعرف أنه زوج المستقبل.. هو رجل متوسط الثقافة يحب السهر واللهو مع الأصدقاء، وأيضا متسلط، فبمجرد أن يدخل البيت يبدأ في إعطاء الأوامر، طبعه حاد، قليل الاهتمام بمشاعر غيره. في بداية الأمر تحملت تصرفاته وكنت أقبل الصلح من أجل الأولاد واستمرارية الحياة بيننا، ولكن وضعنا كان يزداد تعقيدا إلى أن أصبح الخصام بيننا يدوم شهورا إلى أن انفصلنا وذهب كل واحد منا في سبيله. وقد يكون التقارب العمري بين الزوجين عاملا في الخصام والمسارعة بالصلح أيضا، وهذا ما تؤكده سوسن فتقول: نحن متقاربان جدا في السن وإذا تناقشنا في أي موضوع ينتهي دائما بالخصام وتعترف أنها عنيدة أما زوجها فهو عصبي ومندفع لذلك لا يتمكنان من حل خصامهما بمفردهما. وترى أم عبدالله أن الحياة الزوجية قديما كانت أفضل مما هي عليه الآن، فالزمن تغير والأزواج أصبحوا يعاملون بعضهم معاملة الند للند، فليس هناك احترام للرجل ولا للمرأة. قديما كانت حياتنا بسيطة فنحن لم نعش شبابنا في البيوت المكيفة، ولم نركب السيارات الفخمة. كنت أغسل رجل زوجي بيدي، لكن بنات هذا الجيل لاتتعب نفسها في تقديم كوب شاي لزوجها، بل تترك الخادمة تقوم بذلك. وعن الخلافات الزوجية تقول: كنا نختلف ولكننا كنا نحل الأمور بالعقل والحكمة، فالحياة الزوجية يربطها خيط رفيع جدا وحساس جدا، تمسك به المرأة من ناحية والرجل من ناحية أخرى وإذا ما شد أحدهما هذا الخيط لابد أن ينحني الثاني حتى لاتنهار الحياة الزوجية. جلسة الأسرة ويقول الدكتور عبد الناصر عوض أستاذ الدراسات الإنسانية: إن الثقافة العربية المعاصرة تدع المشكلات الأسرية تتفاقم وتدهور العلاقات الزوجية ولا ينفع معها صلح، فالأسر العربية التي كانت تتسم دائما بالترابط والمودة بين أفرادها والمحافظة على القيم تعجز الآن بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة عن أداء وظائفها العاطفية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن ذلك العجز ينعكس بشكل مباشر على علاقات وتفاعلات أفراد الأسرة مع بعضهم، ولهذا تنتشر مشكلات متنوعة مثل النفقة والهجر والطاعة، ومشكلات أخرى مثل ضعف التواصل بين الزوجين أو انخفاض مستوى التماسك الأسري أو قلة الفاعلية الاجتماعية للزوج أو الاهتمام بالأصدقاء على حساب الأبناء والزوجة أو إفشاء أسرار الأسرة إلى زملاء العمل والجيران. وقد تأخذ المشكلة صورا أخرى كالنزاعات والخلافات المستمرة التي تظهر في صورة العناد والخصام أو الهجر بين الزوجين أو تظهر في صورة لضرب وتبادل الألفاظ الجارحة أو البذيئة بشكل متقطع أو مستمر، أو تظهر في صورة تدخل الأهل والمعارف بطريقة غير مناسبة مما يعقد الأمور ويزيد حدة المشكلة. بالإضافة إلى هذا قد نلمس مشكلات تتعلق بالتباعد العاطفي بين الزوجين وغياب الرقابة الأسرية على الأبناء وبضعف مستوى الاهتمامات الأسرية المشتركة أو زيادة ظاهرة كبش الفداء داخل الأسرة ونقصد بها أن تعلق أفراد الأسرة أخطاءها دائما على فرد معين وتلقي عليه باللائمة ويكون هو الضحية أو الشماعة التي يعلق عليها الأخطاء، وينفس من خلالها أعضاء الأسرة مشاعرهم الحبيسة المكبوتة نحو بعضهم بعضا، التي لا يستطيعون في الغالب التعبير عنها بشكل مناسب في جلسات التواد والتفاهم الأسري. وهنا يؤكد الدكتور عوض أهمية الجلسات الأسرية في تجنب الخلافات الزوجية، وأن يكون الصلح نابعا من كلا الزوجين فيقول: الحقيقية أن غياب الجلسات الأسرية والتواد بين الزوجين يعد سببا رئيسيا وأساسيا في الكثير من المشكلات وخاصة تلك المرتبطة بالخيانة الزوجية والانحرافات الأخلاقية أو تعاطي المخدرات، أو تمرد الأبناء أو تأخرهم الدراسي أو سلوكياتهم غير المسؤولة لأن الأسرة في الواقع نسق رئيسي، بصلاحه يصلح الكثير من الأنساق ال