الكتابـة النسائيـة في الجزائـر مقاربــة انطباعيــة
الكتابة مظهر جمالي ودلالي، تحيل إلى فيوضات الذات وتشظيات الأنا في بوحها وحركيتها المتنامية عبر انزياحات كثيرة تشير في غالبيتها إلى تلك الجيوب البعيدة الغور التي تتماهى في حركية التاريخ ومنعرجاته المتشابكة جراء عوامل شتى، منها ما يرتبط بجنس الكتابة ذاتها، كونها: مشاكسة وعصية ومنفلتة تأبى الخضوع والانقياد، وتحبذ الحركية المبدعة المتصاعدة مع توتر الأنا وتناغمها الهارموني قصد تفريغ الذاكرة من هواجسها وإحباطاتها ونزوعاتها المرتبطة بالقمع والاضطهاد والاسوداد الذي يهيمن على النفس في تعاطيها المبدع مع مكونات الأشياء وجمالية المكان ومشمولات الذات، ومنها ما هو نفسي تاريخي يعود في أصله إلى كون الأنا المبدعة شديدة الحرص والحيطة، مما يحتم عليها التحرك بحذر وارتياب وقلق فوق أرض رملية رخوة ورجراجة لا تمنح لفاعلية الحركة البعد المؤثر قصد تفعيل اللحظة وجعلها تتنامى عبر مسارات الإبداع التي هي حتما شديدة الحساسية لكل النزوعات الطارئة والآنية، كما يرتبط ذلك بالذات الكاتبة التي هي في تضاد جمالي دائم مع نوازع كثيرة تنهش في كيان المبدع وجاهزيته اللغوية والإبداعية بهدف تعطيل وكبح الاندفاع المبدع، ومن ثم إجهاض الفعل الكتابي من خلال الضغط النفسي والقهر الاجتماعي واحتكار اللحظة التاريخية في مساراتها التي هي في الأساس متذبذبة وغير مستقرة، الأمر الذي يحتم على الكاتب المبدع وضع تصور منسجم حتى لا تنفلت منه الراهنية الإبداعية التي دونها يصير بندولا يتحرك في فراغية المكان والأشياء دون أن يقول شيئا مهما ومنجزا، وهذا ربما يفسر لنا تلك الانقطاعات الإبداعية التي كثيرا ما يصاب بها المبدع صاحب الرسالة، لا الكاتب العراب الذي يتموقع حسب ما تمليه ثقافة الخوف والمنفعة والارتباك بل والخيانة. والتفريق بين الكاتبين دقيق وصعب ومربك، خاصة في هذه الأزمنة الخرقاء التي تفتقت فيها جيوب الخيانة والغدر على الكثير من الخبل الفكري والخداع البصري، الشيء الذي جعل الكثير من ذوي النوايا الحسنة يسقطون في شبكة المبدع الانتهازي الذي يلبس لكل حالة طارئة لبوسها، وألوانا مختلفة يصعب على الإنسان كشف ألاعيبه ودياثته وخبثه الجهنمي، والذي يمكن وصفه هنا بالمثقف الوغد الذي يكرس بنى ثقافية جبانة ومداهنة وخسيسة تضع في أولوياتها منافع الذات ومكتسباتها كمهمة أساسية منجزة يهون دونها كل شيء، حتى الطعن من الخلف والتخلي عن الشرف وقيم الذات الحرة، وهذا النموذج للأسف الشديد أخذ يتكرس في حياتنا الفكرية والإبداعية بشكل لافت، مما قد يشكل انحرافا في ماهية الكتابة التي يفترض أن تحمل معاني النبل والكرامة والنضال والمحبة وصفاء السريرة بما تنطوي عليه من المحاسن العالية. هذا المدخل كان ضروريا وهاما قبل الحديث عن إشكالية الكتابة النسوية في الجزائر، وهي لا تنفصل عن السياقات العامة للكتابة في الجزائر إلا من حيث الخصوصية والتميز. إن الكتابة النسوية كمفهوم نقدي وجمالي ظهرت متأخرة في الجزائر، وهو تأخر طبيعي جراء الأوضاع التاريخية والاجتماعية والثقافية التي مر بها المجتمع الجزائري في حركيته التاريخية الصعبة التي لم تعرف الاستقرار والهدوء إلا في فترات قصيرة ومتقطعة، والتي لا يعتد بها، وهي بالضرورة غير كافية لخلق ظروف سيكو ذاتية تمكن المرأة الكاتبة من الذهاب المبدع إلى فسحة الذاكرة واستنطاق مكنوناتها وكوامنها وأحزانها المحملة بكثير من القهر والخيبة والانكسار والتشويه الفكري والنفسي الذي ظل لحقب طويلة كماشة محكمة بعيدة عن مفاهيم الدين الحنيف، ينظر من خلالها إلى المرأة على أنها الضلع المكسور والرؤية القاصرة والإنسانية المعقدة التي لا يمكنها أن تشارك في بداية أية حركية تمكنها من الخصوصية والتميز. إن المرأة الجزائرية على امتداد مراحل التاريخ كانت مهمشة ومقصية تعيش في ظل الرجل، غير أن الرجل في الجزائر أيضا يعاني للأسف هو الأخر من القهر والكبت على أكثر من مستوى، وهذا بالأساس من الأسباب الجوهرية التي جعلت المرأة الكاتبة لا تظهر إلا في المراحل التاريخية المتأخرة من نشوء الدولة الوطنية في الجزائر التي أعطت المرأة بعضا من حقوقها، ومكنتها من محاولة رسم مشهد الحياة العامة.