ويليام شكسبير.. أسرار وعبقرية بسحر خاص
قبيل انتهاء القرن الماضي راود وسائل الإعلام سؤال واحد، كان على الرغم من أهميته معروف وواضح الإجابة: من هو أهم شخصيات الألف سنة الماضية؟ وجاءت الإجابة بنهاية عام 1999 حيث انبثق اسم تكرر كثيرا على أفواه الناس: ويليام شكسبير. وفي استفتاءات كثيرة، هزم شكسبير كلا من الشخصيات العالمية من أمثال وينستون تشرشل وإزاك نيوتن . والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل هذا الإطراء؟ ولماذا احتل كاتب مسرحي مات منذ فترة طويلة، وكتب العديد من المسرحيات التي تحكي عن ملوك قتلوا وقصص حب مفرطة ومصير المرابين، لماذا يحتل تلك المكانة المرموقة؟ تعد أعمال شكسبير الأكثر قراءة وشيوعا على مدار التاريخ، كما تمت ترجمة هذه الأعمال إلى أكثر من 100 لغة، وتحولت مسرحياته الشهيرة إلى أكثر من 300 فيلم سينمائي، بالإضافة إلى عرض أعماله على المسارح في جميع أنحاء العالم حتى بعد وفاته بأكثر من 400 عام. كل هذه الأعمال ما هي إلا شاهد إثبات على أقوى خصائص أعمال شكسبير الكبيرة: وهي بلورتها للأفكار والمشاعر الكونية من إحساس بسيط بالغيرة إلى أدق الأفكار والأحاسيس، مثل خطر تقديم العاطفة على العقل والفشل في حسم الموقف والقيام بفعل ما، وهو ما يعني التردد، أي أن أعمال شكسبير ناقشت المشاعر الواضحة كالغيرة إلى أدق ما يدور في النفس البشرية. وعلى هذا الأساس فقد ظلت أعماله مرتبطة ارتباطا وثيقا بعصرنا الحالي، حيث منحت شخصياته المعقدة المخرجين المعاصرين مزيدا من التفسيرات والأفكار الجديدة، وهو السر وراء احتلال شكسبير لتلك المكانة في عالم الأدب . كتب شكسبير 38 عملا دراميا على الأقل، متنقلا من الأعمال الكوميدية خفيفة الظل والأعمال التاريخية الشهيرة إلى تراجيدياته الدموية . وقد تساءل العديد من الناس حول مصدر إلهام هذا الكاتب العبقري، وفي غير استطاعتنا تفسير هذا اللغز ونحن لا نعلم إلا أقل القليل عن حياته الخاصة. شكسبير كاتب مستعار ما هو مؤكد تماما أنه كان أخا لخمسة أخوة لأب، حيث كان رجل أعمال وصل إلى مركز يضاهي عمدة، ودخل الابن ويليام مدرسة بما يتناسب مع ابن وجيه من وجهاء المدينة، وتزوج وهو في الثامنة عشرة من عمره فتاة في منتصف العشرينيات، وللأسف الشديد فإن اسم شكسبير اختفى من أي مستندات مسجلة لمدة سبع سنوات، كانت هذه السنوات هي فترة انتقال هذا الشاب إلى لندن ونبوغه ككاتب مسرحي ينافس بل ويتألق على أعظم كتاب الدراما في عصره . وغياب التفاصيل المهمة عن بلوغه بالإضافة إلى تعليمه المتواضع أدى إلى ادعاء البعض أن شكسبير اسم مستعار لكاتب آخر، ولكن هذه النظريات المتآمرة لا تحملك على تصديقها وما هي إلا أقوال متملقة. سر تعلم شكسبير للدراما ومع ذلك يظل سر تعلم شكسبير لحرفة الدراما قائما حتى الآن، ولا يمكن تحديد فترة كتابته لمسرحياته الأولى، ولكنه من الواضح أنه بدأ بمعالجة القضايا أو الأفكار البسيطة أولا. وقد ظهر أول مرجع يتحدث عن أولى أنشطته المسرحية في عام 1592، حيث تشير إلى أن شكسبير كان ممثلا في نفس الوقت الذي بدأ فيه كتابة المسرحيات. إبداع مسرحيات جديدة في نهاية عام 1590 قام شكسبير بإبداع مسرحيات جديدة غير مسبوقة، كالتي تحكي عن قصة مأساوية لأمير شاب لا يستطيع مواكبة متطلباته، وتعد هذه المسرحية من أعظم الأعمال الدرامية التي كتبت على الإطلاق. وبذكاء و مهارة، قام شكسبير باستخدام بعض الفكاهة في مسرحياته الدرامية وحتى التراجيدية لزيادة حدة الموقف، كما أن هناك العديد من الأعمال المسرحية الكوميدية الكاملة أيضا والتي تجمع بين الكوميديا السمجة والسخرية الفنتازيا والواقعية الساحرة. الأسطورة التي لا تموت في بداية عامه الخمسين اعتزل شكسبير فن الكتابة، ويبدو أن السبب يعود إلى تدهور صحته، حيث قام في عام 1616 بكتابة وصيته التي أوصى فيها بتوزيع أمواله على عائلته وأصدقائه والعامة من الفقراء، وفي خلال شهر من كتابة هذه الوصية توفي شكسبير . ولا شك أن أعمال شكسبير المسرحية هي التي أسفرت عن هذه العبقرية الفذة التي أسرت كل وجه من أوجه الحياة البشرية وظروفها ودوافعها الداخلية بلغة مازال لها سحرها الخاص بعد ما يقرب من 500 عام.