سهر الأولاد
لي بنت مولعة بالسهر، لا تستطيع أن تأوي إلى فراشها حتى يدخل كل من في الدار فراشه، ولا تقدر أن تغمض عينيها وفي المنزل أحد مفتوحة عيناه، وقد جربنا فيها الأساليب، وبلونا معها الحيل، فلم ينفع معها ترغيب ولا ترهيب، حتى أخذ ذلك من لون خديها، ومن بريق عينيها، ونال من صحتها. وسألت إخواني فوجدت أكثرهم يلقى من أولاده، من كرههم للنوم، وحبهم للسهر مثل الذي ألقى منها، ولم أجد عندهم دواء لهذا الداء. ففكرت، فخطر لي خاطر. فقلت لأم البنت: أنا أستطيع أن أحبب إلي ابنتك المنام، وأكره إليها السهر، ولكن الدواء مر، فهل تعدينني ألا تأخذك بها رأفة إذا أنا جرعتها هذا الدواء؟ قالت نعم. ولم تكن لتخالفني في شيء، ولكن أحببت أن أتوثق، ثم دعوت البنت، فقلت: - عنان! - قالت: نعم. - قلت: سنسهر الليلة، فهل تحبين أن تسهري معنا؟ ففرحت وأشرق وجهها، وجعلت تقفز من الابتهاج، وتقول: - إي بابا، إي أرجوك يا بابا.. - قلت: ولا تتأخرين في القيام إلى المدرسة صباحا. - قالت: لا، لا والله، جربني.. - قلت: أسمح لك بالسهر، لكن بشرط واحد، فجزعت قليلا، وقالت: ما هو؟ قلت: ألا تنامي حتى أنام أنا. فعاودها الفرح، لما تتصور من مسرات السهرة ومباهجها وقالت: - قبلت.. وامتدت السهرة، وتعمدت أن أحشد فيها كل ما تحبه البنت من قصص حلوة، وألاعيب، وأنقال، حتى نعست، وكادت تنام في مكانها، ثم نامت.. - فقالت أمها: لقد نامت أفأحملها إلى سريرها؟ - قلت: هيهات، الآن بدأ العلاج، فشدي أعصابك، وعمدت إلى البنت فهززتها حتى أيقظتها، فاستيقظت مكرهة، مرت ربع ساعة، فعادت إلى المنام، وعدت إلى إيقاظها، وتكرر ذلك حتى صارت تتوسل إلي، وتقبل يدي أن أدعها تنام، وأنا أقول لها بدم بارد: - لا، السهر أحلى، ألا تحبين السهر، حتى قالت: لا، لا أحبه، لا أحبه، بدي أنام، وانطلقت تبكي.. وبرئت البنت من علة السهر، من تلك الليلة. ? من كتابه: مقالات في كلمات.