كيف نقرأ التاريخ؟
التاريخ هو "دفتر الأمس" الذي تغص صفحاته بكل تلك الأفكار والأحداث والوقائع التي شكّلت حقباً زمنية متراكمة ومتعاقبة، ليتحوّل ذلك الدفتر العتيق مرجعاً للبشرية. التاريخ، سجل زمني طويل وحافل، يبدأ بالأمس السحيق ويمر باليوم الحاضر ليصل للغد الموعود. التاريخ، دراسة الماضي البشري وسرد للقصص التي صنعها البشر. التاريخ، مسطرة السياقات الزمنية التي تُحاول أن تقيس المسافة بين الحضارات والثقافات والتحولات. التاريخ، صندوق من الحكايات التي تُخاتل الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة: متى ولماذا وكيف حدث كل هذا؟
والكتابة عن التاريخ، رحلة حنين لكشف أسرار الدهشة التي لا تمل من طرح الأسئلة، وغوص سحيق لسبر أغوار الماضي بكل ما فيه من تفاصيل وذهول. سأحاول فيما تبقى من هذا المقال المحدود أن أقارب مسألة مهمة لها علاقة عضوية بالتاريخ، بل وقد تكون مدخلاً ضرورياً لمعرفة وفهم التاريخ، وهي: كيف نقرأ التاريخ؟
إن التراث الإنساني الذي يشمل الهويات واللغات والحكايات وغيرها، يتأرجح عادة بين مصطلحين شائكين: المعلومة التاريخية والحقيقة التاريخية، وكل ما تكتنزه صفحات التاريخ هي نتاج معركة دامية بين هذين المصطلحين.
كيف نقرأ التاريخ؟ سؤال قد يبدو بسيطاً ومباشراً، ولكنه في حقيقة الأمر أكثر إثارة وتعقيداً، خاصة حينما نُدرك بأن المقصود من القراءة هنا هو اختبار المنظور الزمني بهدف كشف عمق التجربة الإنسانية كل تلك القرون الطويلة. وبشيء من التبسيط والاختصار، قراءة التاريخ تعني "فهم" أحداثه ووقائعه وظواهره، وتوظيف "الوعي" بشكل علمي وموضوعي وعقلاني لكشف كل تلك "الحكايات الباهتة" التي تتعدد مصادرها وتتباين مدلولاتها، بل وقد تتعارض في أهدافها.
قراءة التاريخ، القريب والبعيد، تحتاج لبعض الأدوات والآليات والاستعدادات، لتُساعدنا على تخطي الكثير من الضغوطات والتأثيرات والأدلجات والتوجيهات والتحفظات والتابوهات، لكي نقرأ التاريخ بتجرد بحثاً عن الحقيقة، مهما كانت تلك الحقيقة.
قراءة/ فهم التاريخ، عملية مضنية وشاقة، تتطلب المزيد من الوعي والجرأة، كل ذلك من أجل أن يُسهم التاريخ في صناعة الحاضر ورسم المستقبل.
بقلم/ فاضل العماني -الرياض