القرصنة الحوثية

الاعتداء على سفينة مدنية في الممر الدولي «باب المندب» أياً كانت جنسيتها يغير قواعد الصراع، ويعكس اليأس الذي بلغه الحوثي ومن يقف خلفه والدور الذي يقوم به. مرّ هذا الممر بتجربة كبيرة وقاسية أعادت البشرية إلى عصور القرصنة، ظن القراصنة الصوماليون أن السفن المدنية غير المحمية فرائس سهلة يمكن من خلالها ابتزاز العالم، لعبة قديمة استهوت مئات العصابات على مر العصور. القرصنة فصل معيب من تاريخ البشرية، من أشهر الرجال الذين عبثوا بخطوط البحار القرصان البريطاني بلاك بيرد. كانوا سبباً في تعطل التجارة، وارتفاع الأسعار، وذهب ضحيتهم أرواح كثيرة. من الواضح أن الحوثيين فقدوا الأمل وبدؤوا يدخلون في صراع ليس مع الشرعية في بلادهم ولكن مع العالم بأسره، ما الذي يدعوهم إلى الدخول في حرب خاسرة.  

نقل الحرب إلى هذا المستوى ينبئ أن إيران قررت أن تجرب العالم، أن تضع وعيدها بإغلاق ممر هرمز في إطار صراع قائم وعلى يد واحد من وكلائها، سترى رد فعل العالم باختيار سفينة نفط، ضرب سفينة محملة بالنفط لا يؤثر على أعدائها؛ فالسفينة مؤمنة ولا تعني المملكة فقط، تأثير غرقها لا ينعكس على المصدر فحسب، هذا يعني أن حسابات هذه الضربة الإجرامية لم تجر في اليمن، ولا يمكن أن تهم المتمردين، فليس من صالح المتمردين لفت انتباه العالم وإيقاظه على حقيقتهم، بهذه الضربة سيخسرون تعاطفاً زائفاً كسبوه، في الواقع جاء دورهم الحقيقي في إطار الاستراتيجية الإيرانية.

صنعت إيران مجموعة من التنظيمات كأذرع طويلة يدافع بها الملالي عن نظامهم، تنشط عند الحاجة، من الواضح أن دور الحوثي قد جاء، قررت إيران اختبار العالم وأميركا على وجه الخصوص. اختيار سفينة نفط بعيداً عن الخليج العربي هدف إيران الأساسي رسالة جوابية على التوجه الأميركي لمحاصرة النفط الإيراني، وتصفير تصديره بهدف إخراج الاقتصاد الإيراني من دورة الاقتصاد العالمي. لن تأتي إيران إلى طاولة المفاوضات كما تريدها أميركا دون أن تجري اختباراً جدياً يكشف لها جدية التوجه الأميركي، لكن يبدو أنها هذه المرة وقعت في مأزق، حولت تنظيمها في اليمن إلى قراصنة مما يشي بأنها على استعداد لأن تتخلى عنه على طاولة المفاوضات.

تبرهن هذه العملية على أن استمرار الحرب في اليمن جزء من أساسيات الاستراتيجية الإيرانية، من خلال الفوضى في اليمن أو لبنان أو العراق يمكن إجراء تجارب خطرة، تجارب لا يمكن أن تقوم على حدودها أو في الخليج العربي، لكن الحروب والقلاقل الداخلية شيء والقرصنة الدولية شيء آخر.

بقلم/ عبدالله بن بخيت - الرياض